في روايته حول “قصص الأبطال” يقول الفيلسوف توماس كارليل: “من يمتلك الصحة يمتلك الأمل، ومن يمتلك الأمل يمتلك كل شيء”! تتعدّى الصحة كونها حقاً إنسانياً أساسياً مكتسباً بالولادة، لتكون ذخيرة جوهرية لعملية التغيير الاجتماعي. فالصّحة بشقيها الجسدي والنفسي هي غاية فلسفية لمن يؤمن بإمكانية المضي بالمجتمعات الإنسانية نحو الأفضل، وهو ما حرّك طاقة “عامل” منذ انطلاقتها، لتوفر حق الوصول إلى الصحة لكل شخص بمعزل عن انتماءاته وخياراته.
ومع تفشي جائحة كورونا، التي تهدد كل منزل وكل عائلة، من غير تمييز بين عرق ولون وطبقة اجتماعية، تقدّمت عامل للخطوط الأمامية كما في كل حالة طوارئ، لتقوم بواجبها، وتسابق فيروس كورونا إلى المنازل والمخيمات الأشد تهميشاً في المناطق الشعبية والنائية، حيث تشكل العيادات النقالة المؤهلة والمدرّبة لنشر الوقاية والاستجابة لحالات الإصابة، إحدى أبرز التقنيات التي تمكن فريق عامل الصحي – الاجتماعي للوصول إلى الفئات المستهدفة.
هذه العيادات التي تعمل في المناطق الريفية اللبنانية منذ انطلاق المؤسسة 1979، ومع النازحين منذ العام 2011، يربطها بالناس علاقة وطيدة، الذين ينتظرون زيارتها شبه اليومية للحصول على المعاينات والمعلومات والأدوية اللازمة، والأهم من ذلك للحصول على الدعم النفسي والاجتماعي الذي يستحقونه. في ظل الظروف الاستثنائية الحالية، أضافت إلى مهماتها كل ما يتعلق بالوقاية من الفيروس ومواجهته، وهي اليوم تتحضر لاستلام مهمة جديدة تتمثّل في أخذ العينات الخاصة بفحص كورونا من المخيمات والأشخاص الضعفاء في المناطق اللبنانية بالتعاون مع مختبر رودولف ميريو في جامعة القديس يوسف و مستشفى أوتيل ديو و Fondation Mérieux ”فوندا سيون ميريو”.

العيادة النقالة في صور عام 1986
تشكّل هذه العيادات واحدة من الحلول الابتكارية والعناصر ضمن الخطة الشاملة لمؤسسة عامل في مواجهة فيروس كورونا، والتي جاء اطلاقها الرسمي في مركز عامل الصحي – التنموي في مشغرة في 18 نيسان الجاري، والتي تتضمن إطلاق مركز اتصالات في وزارة الصحة وحملة تضامن اقتصادية مع لبنان.

العيادات توفر الحق في الصحة لكل إنسان أينما كان
الدكتور أحمد ضاهر، اختصاصي الأمراض الصدرية في العيادة النقالة التابعة لمركز العين، صرّح أثناء العرض الصحي في مركز مشغرة بأنه كطبيب وعامل إنساني يشعر “بأن خدمة بسطاء الناس ومساندتهم في هذه الظروف الصعبة الصحية والاجتماعية، هي ما يعطي قيمة لمجال الطب الذي يشكّل خط الدفاع الأول عن الكائن البشري، ويترفّع فوق كل الحواجز والهويات والحسابات الضيقة”.
وأضاف: “إننا في مؤسسة عامل منذ اللحظة الأولى لتفشي الفيروس ووصوله إلى لبنان، استنفرنا كل قدراتنا وامكانياتنا، ووضعنا كعيادات نقالة نصب أعيننا مهمة أساسية، ألا وهي حماية المهمشين والضعفاء ومنع وصول الوباء إلى داخل المخيمات والمناطق الشعبية، تفادياً لكارثة كبيرة قد تزيد أوجاع وهشاشة هؤلاء الناس. فهم أمانة في أعناقنا أمام أنفسنا وأمام الله”.
وشرح ضاهر حول مجموعة التدريبات والاجراءات التي تتخدها عامل، ليكون الفريق الميداني على أتم الجهوزية في أية لحظة للاستجابة لظهور اي حالة في المخيمات أو المناطق النائية، خصوصاً في ظل إشراف مؤسسة عامل على عدد من مراكز العزل الخاصة بالنازحين في منطقتي البقاع والجنوب.

يعمل د. ضاهر مع العيادة النقالة في أكثر المناطق تهميشاً منذ 7 سنوات
حول العيادات النقالة:
في عامل حالياً 6 عيادات نقالة أساسية، أضيف إليها 3 عيادات بشكل استثنائي للاستجابة لفيروس كورونا. هذه العيادات التي أطلقت منذ العام 1980 وتطور عملها بشكل تصاعدي نتيجة تراكم الخبرة وتطور المعدات، قدمت حلاً للوصول للفئات الأكثر ضعفاً وأقصى المناطق جغرافياً، انطلاقاً من أن الصحة حق إنساني للجميع ويجب توفيره للناس في كل الظروف.

من العرض الصحي في مركز مشغرة الصحي – الاجتماعي
تعمل هذه العيادات في عدد من المناطق والمخيمات التابعة لها وهي: صور، مرجعيون، مشغرة، العين، كامد اللوز، الخيام، عرسال، وضواحي بيروت، حيث يتكوّن الفريق الطبي بكل عيادة نقالة من طبيب وممرضة وعامل اجتماعي وسائق. تتنقل العيادات بين مناطق الخدمات التي لا تتوفر لهم الخدمات الطبية والبرامج النفسية – الاجتماعية.
في العام 2019، قدمت هذه العيادات وحدها 70312 استشارة طبية في مختلف المناطق، أي ما يشكل 30% من الخدمات الطبية لمؤسسة عامل والتي عددها 212883 استشارة طبية، من دون احتساب الخدمات الاجتماعية والتنموية التي تقدم في 25 مركزاً حول لبنان.